سورة التوبة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {وَءاخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} فيه قولان: الأول: أنهم قوم من المنافقين. تابوا عن النفاق.
والثاني: أنهم قوم من المسلمين تخلفوا عن غزوة تبوك، لا للكفر والنفاق، لكن للكسل، ثم ندموا على ما فعلوا ثم تابوا، واحتج القائلون بالقول الأول بأن قوله: {وَءاخَرُونَ} عطف على قوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مّنَ الأعراب منافقون} والعطف يوهم التشريك إلا أنه تعالى وفقهم حتى تابوا، فلما ذكر الفريق الأول بالمرود على النفاق والمبالغة فيه. وصف هذه الفرقة بالتوبة والإقلاع عن النفاق.
المسألة الثانية: روي أنهم كانوا ثلاثة: أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام، وقيل: كانوا عشرة. فسبعة منهم أوثقوا أنفسهم لما بلغهم ما نزل من المتخلفين فأيقنوا بالهلاك، وأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين وكانت هذه عادته، فلما قدم من سفره ورآهم موثقين، سأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله هو الذي يحلهم، فقال: وأنا أقسم أني لا أحلهم حتى أومر فيهم، فنزلت هذه الآية فأطلقهم وعذرهم، فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا وإنما تخلفنا عنك بسببها، فتصدق بها وطهرنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً فنزل قوله: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} [التوبة: 103] الآية.
المسألة الثالثة: قوله: {اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} قال أهل اللغة: الاعتراف عبارة عن الإقرار بالشيء عن معرفة، ومعناه أنهم أقروا بذنبهم، وفيه دقيقة، كأنه قيل لم يعتذروا عن تخلفهم بالأعذار الباطلة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئسما فعلوا وأظهروا الندامة وذموا أنفسهم على ذلك التخلف.
فإن قيل: الاعتراف بالذنب هل يكون توبة أم لا؟
قلنا: مجرد الاعتراف بالذنب لا يكون توبة، فأما إذا اقترن به الندم على الماضي، والعزم على تركه في المستقبل، وكان هذا الندم والتوبة لأجل كونه منهياً عنه من قبل الله تعالى، كان هذا المجموع توبة، إلا أنه دل الدليل على أن هؤلاء قد تابوا بدليل قوله تعالى: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} والمفسرون قالوا: إن عسى من الله يدل على الوجوب.
ثم قال تعالى: {خَلَطُواْ عَمَلاً صالحا وَءاخَرَ سَيّئاً} وفيه بحثان:
البحث الأول: في هذا العمل الصالح وجوه:
الأول: العمل الصالح هو الاعتراف بالذنب والندامة عليه والتوبة منه، والسيء هو التخلف عن الغزو.
والثاني: العمل الصالح خروجهم مع الرسول إلى سائر الغزوات والسيء هو تخلفهم عن غزوة تبوك.
والثالث: أن هذه الآية نزلت في حق المسلمين كان العمل الصالح إقدامهم على أعمال البر التي صدرت عنهم.
البحث الثاني: لقائل أن يقول: قد جعل كل واحد من العمل الصالح والسيء مخلوطاً. فما المخلوط به. وجوابه أن الخلط عبارة عن الجمع المطلق، وأما قولك خلطته، فإنما يحسن في الموضع الذي يمتزج كل واحد منهما بالآخر، ويتغير كل واحد منهما بسبب تلك المخالطة عن صفته الأصلية كقولك خلطت الماء باللبن. واللائق بهذا الموضع هو الجمع المطلق، لأن العمل الصالح والعمل السيء إذا حصلا بقي كل واحد منهما كما كان على مذهبنا، فإن عندنا القول بالإحباط باطل، والطاعة تبقى موجبة للمدح والثواب، والمعصية تبقى موجبة للذم والعقاب، فقوله تعالى: {خَلَطُواْ عَمَلاً صالحا وَءاخَرَ سَيّئاً} فيه تنبيه على نفي القول بالمحابطة، وأنه بقي كل واحد منهما كما كان من غير أن يتأثر أحدهما بالآخر، ومما يعين هذه الآية على نفي القول بالمحابطة أنه تعالى وصف العمل الصالح والعمل السيء بالمخالطة. والمختلطان لابد وأن يكونا باقيين حال اختلاطهما، لأن الاختلاط صفة للمختلطين، وحصول الصفة حال عدم الموصوف محال، فدل على بقاء العملين حال الاختلاط.
ثم قال تعالى: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وفيه مباحث:
البحث الأول: هاهنا سؤال، وهو أن كلمة {عَسَى} شك وهو في حق الله تعالى محال، وجوابه من وجوه:
الوجه الأول: قال المفسرون: كلمة عسى من الله واجب، والدليل عليه قوله تعالى: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِىَ بالفتح} [المائدة: 52] وفعل ذلك، وتحقيق القول فيه أن القرآن نزل على عرف الناس في الكلام، والسلطان العظيم إذا التمس المحتاج منه شيئاً فإنه لا يجيب إليه إلا على سبيل الترجي مع كلمة عسى، أو لعل، تنبيهاً على أنه ليس لأحد أن يلزمني شيئاً وأن يكلفني بشيء بل كل ما أفعله فإنما أفعله على سبيل التفضل والتطول، فذكر كلمة {عَسَى} الفائدة فيه هذا المعنى، مع أنه يفيد القطع بالإجابة.
الوجه الثاني: في الجواب، المقصود منه بيان أنه يجب أن يكون المكلف على الطمع والإشفاق لأنه أبعد من الإنكار والإهمال.
البحث الثاني: قال أصحابنا قوله: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} صريح في أن التوبة لا تحصل إلا من خلق الله تعالى، والعقل أيضاً دليل عليه، لأن الأصل في التوبة الندم، والندم لا يحصل باختيار العبد لأن إرادة الفعل والترك إن كانت فعلاً للعبد افتقر في فعلها إلى إرادة أخرى، وأيضاً فإن الإنسان قد يكون عظيم الرغبة في فعل معين، ثم يصير عظيم الندامة عليه، وحال كونه راغباً فيه لا يمكنه دفع تلك الرغبة عن القلب، وحال صيرورته نادماً عليه لا يمكنه دفع تلك الندامة عن القلب، فدل هذا على أنه لا قدرة للعبد على تحصل الندامة، وعلى تحصيل الرغبة، قالت المعتزلة: المراد من قوله: يتوب الله أنه يقبل توبته.
والجواب: أن الصرف عن الظاهر إنما يحسن، إذا ثبت بالدليل أنه لا يمكن إجراء اللفظ على ظاهره، أما هاهنا، فالدليل العقلي أنه لا يمكن إجراء اللفظ إلا على ظاهره، فكيف يحسن التأويل.
البحث الثالث: قوله: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} يقتضي أن هذه التوبة إنما تحصل في المستقبل. وقوله: {وَءاخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ} دل على أن ذلك الاعتراف حصل في الماضي، وذلك يدل على أن ذلك الاعتراف ما كان نفس التوبة، بل كان مقدمة للتوبة، وأن التوبة إنما تحصل بعدها.
ثم قال تعالى: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلف الناس في المراد. فقال بعهضم: هذا راجع إلى هؤلاء الذين تابوا، وذلك لأنهم بذلوا أموالهم للصدقة، فأوجب الله تعالى أخذها، وصار ذلك معتبراً في كمال توبتهم لتكون جارية في حقهم مجرى الكفارة، وهذا قول الحسن، وكان يقول ليس المراد من هذه الآية الصدقة الواجبة، وإنما هي صدقة كفارة الذنب الذي صدر منهم.
والقول الثاني: أن الزكوات كانت واجبة عليهم، فلما تابوا من تخلفهم عن الغزو وحسن إسلامهم، وبذلوا الزكاة أمر الله رسوله أن يأخذها منهم.
والقول الثالث: أن هذه الآية كلام مبتدأ، والمقصود منها إيجاب أخذ الزكاة من الأغنياء وعليه أكثر الفقهاء إذ استدلوا بهذه الآية في إيجاب الزكوات. وقالوا في الزكاة إنها طهرة، أما القائلون بالقول الأول: فقد احتجوا على صحة قولهم بأن الآيات لابد وأن تكون منتظمة متناسقة، أما لو حملناها على الزكوات الواجبة ابتداء، لم يبق لهذه الآية تعلق بما قبلها، ولا بما بعدها، وصارت كلمة أجنبية، وذلك لا يليق بكلام الله تعالى، وأما القائلون بأن المراد منه أخذ الزكوات الواجبة، قالوا: المناسبة حاصلة أيضاً على هذا التقدير، وذلك لأنهم لما أظهروا التوبة والندامة، عن تخلفهم عن غزوة تبوك، وهم أقروا بأن السبب الموجب لذلك التخلف حبهم للأموال وشدة حرصهم على صونها عن الإنفاق، فكأنه قيل لهم إنما يظهر صحة قولكم في ادعاء هذه التوبة والندامة لو أخرجتم الزكاة الواجبة، ولم تضايقوا فيها، لأن الدعوى لا تتقرر إلا بالمعنى، وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان، فإن أدوا تلك الزكوات عن طيبة النفس ظهر كونهم صادقين في تلك التوبة والإنابة، وإلا فهم كاذبون مزورون بهذا الطريق. لكن حمل هذه الآية على التكليف بإخراج الزكوات الواجبة مع أنه يبق نظم هذه الآيات سليماً أولى، ومما يدل على أن المراد الصدقات الواجبة. قوله: {تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ بِهَا} والمعنى تطهرهم عن الذنب بسبب أخذ تلك الصدقات، وهذا إنما يصح لو قلنا إنه لو لم يأخذ تلك الصدقة لحصل الذنب، وذلك إنما يصح حصوله في الصدقات الواجبة.
وأما القائلون بالقول الأول: فقالوا: إنه عليه الصلاة والسلام لما عذر أولئك التائبين وأطلقهم قالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي بسببها تخلفنا عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً»، فأنزل الله تعالى هذه الآيات فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث أموالهم، وترك الثلثين لأنه تعالى قال: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} ولم يقل خذ أموالهم، وكلمة {مِنْ} تفيد التبعيض.
واعلم أن هذه الرواية لا تمنع القول الذي اخترناه كأنه قيل لهم إنكم لما رضيتم بإخراج الصدقة التي هي غير واجبة فلأن تصيروا راضين بإخراج الواجبات أولى.
المسألة الثانية: هذه الآية تدل على كثير من أحكام الزكاة.
الحكم الأول:
أن قوله: {خُذْ مِنْ أموالهم} يدل على أن القدر المأخوذ بعض تلك الأموال لا كلها إذ مقدار ذلك البعض غير مذكور هاهنا بصريح اللفظ، بل المذكور هاهنا قوله: {صَدَقَةٍ} ومعلوم أنه ليس المراد منه التنكير حتى يكفي أخد أي جزء كان، وإن كان في غاية القلة، مثل الحبة الواحدة من الحنطة أو الجزء الحقير من الذهب، فوجب أن يكون المراد منه صدقة معلومة الصفة والكيفية والكمية عندهم، حتى يكون قوله: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} أمراً بأخذ تلك الصدقة المعلومة، فحينئذ يزول الإجمال. ومعلوم أن تلك الصدقة ليست إلا الصدقات التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كيفيتها، والصدقة التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أنه أمر بأن يؤخذ في خمس وعشرين بنت مخاض، وفي ستة وثلاثين بنت لبون، إلى غير ذلك من المراتب، فكان قوله: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} أمراً بأن يأخذ تلك الأشياء المخصوصة والأعيان المخصوصة، وظاهر الآية للوجوب، فدل هذا النص على أن أخذها واجب، وذلك يدل على أن القيمة لا تكون مجزئة على ما هو قول الشافعي رحمه الله.
الحكم الثاني:
أن قوله: {مِنْ أموالهم صَدَقَةً} يقتضي أن يكون المال مالاً لهم، ومتى كان الأمر كذلك لم يكن الفقير شريكاً للمالك في النصاب، وحينئذ يلزم أن تكون الزكاة متعلقة بالذمة. وأن لا يكون لها تعلق ألبتة بالنصاب.
وإذا ثبت هذا فنقول: إنه إذا فرط في الزكاة حتى هلك النصاب، فالذي هلك ما كان محلاً للحق، بل محل الحق باق كما كان، فوجب أن يبقى ذلك الوجوب بعد هلاك النصاب كما كان، وهذا قول الشافعي رحمه الله.
الحكم الثالث:
ظاهر هذا العموم يوجب الزكاة في مال المديون، وفي مال الضمان، وهو ظاهر.
الحكم الرابع:
ظاهر الآية يدل على أن الزكاة إنما وجبت طهرة عن الآثام، فلا تجب إلا حيث تصير طهرة عن الآثام، وكونها طهرة عن الآثام لا يتقرر إلا حيث يمكن حصول الآثام، وذلك لا يعقل إلا في حق البالغ، فوجب أن لا يثبت وجوب الزكاة إلا في حق البالغ كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله، إلا أن الشافعي رحمه الله يجيب ويقول إن الآية تدل على أخذ الصدقة من أموالهم، وأخذ الصدقة من أموالهم يستلزم كونها طهرة، فلم قلتم إن أخذ الزكاة من أموال الصبي، والمجنون طهرة لأنه لا يلزم من انتفاء سبب معين انتفاء الحكم مطلقاً؟
المسألة الثالثة: في قوله: {تُطَهّرُهُمْ} أقوال:
القول الأول: أن يكون التقدير: خذ يا محمد من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم.
القول الثاني: أن يكون تطهرهم معلقاً بالصدقة، والتقدير: خذ من أموالهم صدقة مطهرة، وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة أوساخ الناس، فإذا أخذت الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ فكان اندفاعها جارياً مجرى التطهير، والله أعلم.
إن على هذا القول وجب أن نقول: إن قوله: {وَتُزَكّيهِمْ} يكون منقطعاً عن الأول، ويكون التقدير {خُذْ} يا محمد {مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهّرُهُمْ} تلك الصدقة، وتزكيهم أنت بها.
القول الثالث: أن يجعل التاء في {تُطَهّرُهُمْ وَتُزَكّيهِمْ} ضمير المخاطب، ويكون المعنى: تطهرهم أنت أيها الآخذ بأخذها منهم وتزكيهم بواسطة تلك الصدقة.
المسألة الرابعة: قال صاحب الكشاف: قرئ {تُطَهّرُهُمْ} من أطهره بمعنى طهره {وتطهرهم} بالجزم جواباً للأمر، ولم يقرأ {وَتُزَكّيهِمْ} إلا بإثبات الياء.
ثم قال تعالى: {وَتُزَكّيهِمْ} واعلم أن التزكية لما كانت معطوفة على التطهير وجب حصول المغايرة، فقيل: التزكية مبالغة في التطهير، وقيل: التزكية بمعنى الإنماء، والمعنى: أنه تعالى يجعل النقصان الحاصل بسبب إخراج قدر الزكاة سبباً للإنماء، وقيل: الصدقة تطهرهم عن نجاسة الذنب والمعصية، والرسول عليه السلام يزكيهم ويعظم شأنهم ويثني عليهم عند إخراجها إلى الفقراء.
ثم قال تعالى: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {إن صلاتك} بغير واو وفتح التاء على التوحيد، والمراد منه الجنس، وكذلك في سورة هود {أَصَلاتكَ تَأْمُرُكَ} بغير واو وعلى التوحيد، والباقون {صلواتك} وكذلك في هود على الجمع، قال أبو عبيدة: والقراءة الأولى أولى لأن الصلاة أكثر. ألا ترى أنه قال: {أَقِيمُواْ الصلاة} والصلوات جمع قلة، تقول ثلاث صلوات وخمس صلوات، قال أبو حاتم: هذا غلط لأن بناء الصلوات ليس للقلة لأنه تعالى قال: {مَّا نَفِدَتْ كلمات الله} [لقمان: 27] ولم يرد القليل وقال: {وَهُمْ فِي الغرفات ءامِنُونَ} [سبأ: 37] وقال: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35].
المسألة الثانية: احتج مانعو الزكاة في زمان أبي بكر بهذه الآية، وقالوا إنه تعالى أمر رسوله بأخذ الصدقات، ثم أمره بأن يصلي عليهم وذكر أن صلاته سكن لهم، فكان وجوب الزكاة مشروطاً بحصول ذلك السكن، ومعلوم أن غير الرسول لا يقوم مقامه في حصول ذلك السكن. فوجب أن لا يجب دفع الزكاة إلى أحد غير الرسول عليه الصلاة والسلام، واعلم أنه ضعيف لأن سائر الآيات دلت على أن الزكاة إنما وجبت دفعاً لحاجة الفقير كما في قوله: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَاء} [التوبة: 60] وكما في قوله: {وَفِى أموالهم حَقٌّ لَّلسَّائِلِ والمحروم} [الذاريات: 19].
المسألة الثالثة: لا شك أن الصلاة في أصل اللغة عبارة عن الدعاء، فإذا قلنا صلى فلان على فلان، أفاد الدعاء بحسب اللغة الأصلية. إلا أنه صار بحسب العرف يفيد أنه قال له اللهم صل عليه، فلهذا السبب اختلف المفسرون، فنقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: معناه ادع لهم، قال الشافعي رحمه الله: والسنة للإمام إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق ويقول: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت، وقال آخرون: معناه أن يقول اللهم صل على فلان، ونقلوا عن النبي عليه الصلاة والسلام، أن آل أبي أوفى لما أتوه بالصدقة قال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» ونقل القاضي في تفسيره عن الكعبي في تفسيره أنه قال علي لعمر وهو مسجى عليك الصلاة والسلام، ومن الناس من أنكر ذلك، ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد إلا في حق النبي عليه الصلاة والسلام.
المسألة الرابعة: أن أصحابنا يمنعون من ذكر صلوات الله عليه وعليه الصلاة والسلام إلا في حق الرسول، والشيعة يذكرونه في علي وأولاده، واحتجوا عليه بأن نص القرآن دل على أن هذا الذكر جائز في حق من يؤدي الزكاة، فكيف يمنع ذكره في حق علي والحسن والحسين رضي الله عنهم؟ ورأيت بعضهم قال: أليس أن الرجل إذا قال سلام عليكم يقال له وعليكم السلام؟ فدل هذا على أن ذكر هذا اللفظ جائز في حق جمهور المسلمين، فكيف يمتنع ذكره في حق آل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام؟ قال القاضي: إنه جائز في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، والدليل عليه أنهم قالوا: يا رسول الله قد عرفنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال على وجه التعليم قولوا: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» ومعلوم أنه ليس في آل محمد نبي، فيتناول علياً ذلك كما يجوز مثله في آل إبراهيم، والله أعلم.
المسألة الخامسة: كنت قد ذكرت لطائف في قول بعضهم لبعض سلام عليكم وهي غير لائقة بهذا الموضع إلا أني رأيت أن أكتبها هاهنا لئلا تضيع، فقلت: إذا قال الرجل لغيره سلام عليكم. فقوله: سلام عليكم مبتدأ وهو نكرة، وزعموا أن جعل النكرة مبتدأ لا يجوز، قالوا لأن الأخبار إنما يفيد إذا أخبر على المعلوم بأمر غير معلوم، إلا أنهم قالوا: النكرة إذا كانت موصوفة حسن جعلها مبتدأ كما في قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ} [البقرة: 221].
إذا عرفت هذا فهاهنا وجهان:
الأول: أن التنكير يدل على الكمال، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حياة} [البقرة: 96] والمعنى: ولتجدنهم أحرص الناس على حياة دائمة كاملة غير منقطعة.
إذا ثبت هذا فقوله: سلام لفظة منكرة، فكان المراد منه سلام كامل تام، وعلى هذا التقدير: فقد صارت هذه النكرة موصوفة، فصح جعلها مبتدأ، وإذا كان كذلك فحينئذ يحصل الخبر وهو قوله: عليكم والتقدير: سلام كامل تام عليكم.
والثاني: أن يجعل قوله: عليكم صفة لقوله: سلام فيكون مجموع قوله: سلام عليكم مبتدأ ويضمر له خبر، والتقدير: سلام عليكم واقع كائن حاصل، وربما كان حذف الخبر أدل على التهويل والتفخيم.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه عند الجواب يقلب هذا الترتيب فيقال وعليكم السلام، والسبب فيه ما قاله سيبويه أنهم يقدمون الأهم والذي هم بشأنه أعنى، فلما قال وعليكم السلام دل على أن اهتمام هذا المجيب بشأن ذلك القائل شديد كامل، وأيضاً فقوله: وعليكم السلام يفيد الحصر، فكأنه يقول إن كنت قد أوصلت السلام إلي فأنا أزيد عليه وأجعل السلام مختصاً بك ومحصوراً فيك امتثالاً لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ومن لطائف قوله: سلام عليكم أنها أكمل من قوله: السلام عليك وذلك لأن قوله: سلام عليك معناه: سلام كامل تام شريف رفيع عليك.
وأما قوله: السلام عليك، فالسلام لفظ مفرد محلى بالألف واللام، وأنه لا يفيد إلا أصل الماهية، واللفظ الدال على أصل الماهية لا إشعار فيه بالأحوال العارضة للماهية وبكمالات الماهية، فكان قوله: سلام عليك أكمل من قوله: السلام عليك ومما يؤكد هذا المعنى أنه أينما جاء لفظ السلام من الله تعالى ورد على سبيل التنكير، كقوله: {وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بئاياتنا فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 54] وقوله: {قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى} [النمل: 59] وفي القرآن من هذا الجنس كثير.
أما لفظ السلام بالألف واللام، فإنما جاء من الأنبياء عليهم السلام، كقول موسى عليه السلام: {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ والسلام على مَنِ اتبع الهدى} [طه: 47] وأما في سورة مريم فلما ذكر الله يحيى عليه السلام قال: {وسلام عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} [مريم: 15] وهذا السلام من الله تعالى، وفي قصة عيسى عليه السلام قال: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ} [مريم: 33] وهذا كلام عيسى عليه السلام. فثبت بهذه الوجوه أن قوله: سلام عليك أكمل من قوله: السلام عليك فلهذا السبب اختار الشافعي رحمه الله في قراءة التشهد قوله: سلام عليك أيها النبي على سبيل التنكير، ومن لطائف السلام أنه لا شك أن هذا العالم معدن الشرور والآفات والمحن والمخالفات، واختلف العلماء الباحثون عن أسرار الأخلاق، أن الأصل في جبلة الحيوان الخير أو الشر؟ فمنهم من قال: الأصل فيها الشر، وهذا كالإجماع المنعقد بين جميع أفراد الإنسان، بل نزيد ونقول: إنه كالإجماع المنعقد بين جميع الحيوان، والدليل عليه أن كل إنسان يرى إنساناً يعدو إليه مع أنه لا يعرفه، فإن طبعه يحمله على الاحتراز عنه والتأهب لدفعه، ولولا أن طبعه يشهد بأن الأصل في الإنسان الشر، وإلا لما أوجبت فطرة العقل التأهب لدفع شر ذلك الساعي إليه، بل قالوا: هذا المعنى حاصل في كل الحيوانات، فإن كل حيوان عدا إليه حيوان آخر فر ذلك الحيوان الأول واحترز منه، فلو تقرر في طبعه أن الأصل في هذا الواصل هو الخير لوجب أن يقف، لأن أصل الطبيعة يحمل على الرغبة في وجدان الخير، ولو كان الأصل في طبع الحيوان أن يكون خيره وشره على التعادل والتساوي، وجب أن يكون الفرار والوقوف متعادلين، فلما لم يكن الأمر كذلك بل كل حيوان نوجه إليه حيوان مجهول الصفة عند الأول، فإن ذلك الأول يحترز عنه بمجرد فطرته الأصلية، علمنا أن الأصل في الحيوان هو الشر.
إذا ثبت هذا فنقول: دفع الشر أهم من جلب الخير، ويدل عليه وجوه:
الأول: أن دفع الشر يقتضي إبقاء الأصل أهم من تحصيل الزائد.
والثاني: أن إيصال الخير إلى كل أحد ليس في الوسع، أما كف الشر عن كل أحد داخل في الوسع، لأن الأول فعل والثاني ترك، وفعل ما لا نهاية له غير ممكن، أما ترك ما لا نهاية له ممكن، والثالث: أنه إذا لم يحصل دفع الشر فقد حصل الشر، وذلك يوجب حصول الألم والحزن، وهو في غاية المشقة، وأما إذا لم يحصل أيضاً إيصال الخير بقي الإنسان لا في الخير ولا في الشر، بل على السلامة الأصلية، وتحمل هذه الحالة سهل. فثبت أن دفع الشر أهم من إيصال الخير، وثبت أن الدنيا دار الشرور والآفات والمحن والبليات، وثبت أن الحيوان في أصل الخلقة وموجب الفطرة منشأ للشرور، وإذا وصل إنسان إلى إنسان كان أهم المهمات أن يعرفه أنه منه في السلامة والأمن والأمان، فلهذا السبب وقع الاصطلاح على أن يقع ابتداء الكلام بذكر السلام، وهو أن يقول سلام عليكم ومن لطائف قولنا سلام عليكم أن ظاهره يقتضي إيقاع السلام على جماعة، والأمر كذلك بحسب العقل، وبحسب الشرع.
أما بحسب الشرع فلأن القرآن دل على أن الإنسان لا يخلو عن جمع من الملائكة يحفظونه ويراقبون أمره، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين * كِرَاماً كاتبين} [الانفطار: 10، 11] والعقل أيضاً يدل عليه، وذلك لأن الأرواح البشرية أنواع مختلفة، فبعضها أرواح خيرة عاقلة، وبعضها كدرة خبيثة، وبعضها شهوانية، وبعضها غضبية، ولكل طائفة من طوائف الأرواح البشرية السفلية روح علوي قوي يكون كالأب لتلك الأرواح البشرية، وتكون هذه الأرواح بالنسبة إلى ذلك الروح العلوي كالأبناء بالنسبة إلى الأب، وذلك الروح العلوي هو الذي يخصها بالإلهامات، تارة في اليقظة، وتارة في النوم. وأيضاً الأرواح المفارقة عن أبدانها المشاكلة لهذه الأرواح في الصفات والطبيعة والخاصية. يحصل لها نوع تعلق بهذا البدن بسبب المشاكلة والمجانسة، وتصير كالمعاونة لهذه الروح على أعمالها إن خيراً فخير وأن شراً فشر. وإذا عرفت هذا السر فالإنسان لابد وأن يكون مصحوباً بتلك الأرواح المجانسة له، فقوله: سلام عليكم إشارة إلى تسليم هذا الشخص المخصوص على جميع الأرواح الملازمة المصاحبة إياه بسبب المصاحبة الروحانية. ومن لطائف هذا الباب أن الأرواح الإنسانية إذا اتصفت بالمعارف الحقيقية والأخلاق الفاضلة، وقويت وتجردت، ثم قوي تعلق بعضها ببعض انعكس أنوارها بعضها على بعض على مثال المرآة المشرقة المتقابلة. فلهذا السبب فإن من أراد أن يقرأ وظيفة على أستاذه فالأدب أن يبدأ بحمد الله والثناء على الملائكة الأنبياء، ثم يدعو لأستاذه ثم يشرع في القراءة، والمقصود منها أن يقوي التعلق بين روحه وبين هذه الأرواح المقدسة الطاهرة، حتى أن بسبب قوة ذلك التعلق ربما ظهر شيء من أنوارها وآثارها في روح هذا الطالب، فيستقر في عقله من الأنوار الفائضة منها، ويقوي روحه بمدد ذلك الفيض على إدراك المعارف والعلوم.
إذا عرفت هذا فإذا قال لغيره: سلام عليكم حدث بينهما تعلق شديد، وحصل بسبب ذلك التعلق تطابق الأرواح وتعاكس الأنوار، ولنكتف بهذا القدر في هذا الباب، فإنا قد ذكرنا أن هذا الفصل أجنبي عن هذا الكلام، والله أعلم.
المسألة السادسة: قوله: {إنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ} قال الواحدي: السكن في اللغة ما سكنت إليه، والمعنى: أن صلاتك عليهم توجب سكون نفوسهم إليك، وللمفسرين عبارات: قال ابن عباس رضي الله عنهما: دعاؤك رحمة لهم.
وقال قتادة: وقار لهم.
وقال الكلبي: طمأنينة لهم، وقال الفراء: إذا استغفرت لهم سكنت نفوسهم إلى أن الله تعالى قبل توبتهم.
وأقول: إن روح محمد عليه السلام كانت روحاً قوية مشرقة صافية باهرة، فإذا دعا محمد لهم وذكرهم بالخير فاضت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم، فأشرقت بهذا السبب أرواحهم وصفت أسرارهم، وانتقلوا من الظلمة إلى النور، ومن الجسمانية إلى الروحانية، وتقريره ما تقدم في المسألة الخامسة.
ثم قال: {والله سَمِيعٌ} لقولهم: {عَلِيمٌ} بنياتهم.


{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)}
واعلم أنه تعالى لما حكى عن القوم الذين تقدم ذكرهم أنهم تابوا عن ذنوبهم وأنهم تصدقوا وهناك لم يذكر إلا قوله: {عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} وما كان ذلك صريحاً في قبول التوبة ذكر في هذه الآية أنه يقبل التوبة وأنه يأخذ الصدقات، والمقصود ترغيب من لم يتب في التوبة، وترغيب كل العصاة في الطاعة. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو مسلم قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ} وإن كان بصيغة الاستفهام، إلا أن المقصود منه التقرير في النفس، ومن عادة العرب في إيهام المخاطب وإزالة الشك عنه أن يقولوا: أما علمت أن من علمك يجب عليك خدمته.
أما علمت أن من أحسن إليك يجب عليك شكره، فبشر الله تعالى هؤلاء التائبين بقبول توبتهم وصدقاتهم.
ثم زاده تأكيداً بقوله: {وَهُوَ التواب الرحيم}.
المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: قرئ {أَلَمْ يَعْلَمُواْ} بالياء والتاء، وفيه وجهان:
الأول: أن يكون المراد من هذه الآية هؤلاء الذين تابوا يعني {أَلَمْ يَعْلَمُواْ} قبل أن يتاب عليهم وتقبل صدقاتهم، أن الله يقبل التوبة الصحيحة، ويقبل الصدقات الصادرة عن خلوص النية، والثاني: أن يكون المراد من هذه الآية غير التائبين ترغيباً لهم في التوبة.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حكم بصحة توبتهم قال: «الذين لم يتوبوا هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم» فنزلت هذه الآية.
المسألة الثالثة: قوله: {هُوَ يَقْبَلُ التوبة} في فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى سمى نفسه هاهنا باسم الله. ثم قال عقيبه: {هُوَ يَقْبَلُ التوبة} وفيه تنبيه على أن كونه إلهاً يوجب قبول التوبة، وذلك لأن الإله هو الذي يمتنع تطرق الزيادة والنقصان إليه، ويمتنع أن يزداد حاله بطاعة المطيعين وأن ينتقص حاله بمعصية المذنبين، ويمتنع أيضاً أن يكون له شهوة إلى الطاعة، ونفرة عن المعصية، حتى يقال: إن نفرته وغضبه يحمله على الانتقام، بل المقصود من النهي عن المعصية والترغيب في الطاعة، هو أن كل ما دعا القلب إلى عالم الآخرة ومنازل السعداء، ونهاه عن الاشتغال بالجسمانيات الباطلة، فهو العبادة والعمل الحق والطريق الصالح، وكل ما كان بالضد منه فهو المعصية والعمل الباطل، فالمذنب لا يضر إلا نفسه، والمطيع لا ينفع إلا نفسه. كما قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] فإن كان الإله رحيماً حكيماً كريماً ولم يكن غضبه على المذنب لأجل أنه تضرر بمعصيته، فإذا انتقل العبد من المعصية إلى الطاعة كان كرمه كالموجب عليه قبول توبته. فثبت أن الإلهية لما كانت عبارة عن الاستغناء المطلق، وكان الاستغناء المطلق ممتنع الحصول لغيره، كان قبول التوبة من الغير كالممتنع إلا لسبب آخر منفصل، أو لمعارض أو لمباين.
الفائدة الثانية: في هذا التخصيص هو أن قبول التوبة ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما إلى الله الذي هو يقبل التوبة تارة ويردها أخرى. فاقصدوا الله بها ووجهوها إليه، وقيل لهؤلاء التائبين اعملوا فإن عملكم لا يخفى على الله خيراً كان أو شراً.
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: قبول التوبة واجب عقلاً على الله تعالى.
وقال أصحابنا: قبول التوبة واجب بحكم الوعد والتفضل والإحسان، أما عقلاً فلا.
وحجة أصحابنا على عدم وجوب قبول التوبة وجوه:
الأول: أن الوجوب لا يتقرر معناه ألا إذا كان بحيث لو لم يفعله الفاعل لاستحق الذم، فلو وجب قبول التوبة على الله تعالى لكان بحيث لو لم يقبلها لصار مستحقاً للذم، وهذا محال، لأن من كان كذلك فإنه يكون مستكملاً بفعل القبول، والمستكمل بالغير ناقص لذاته وذلك في حق الله تعالى محال.
الثاني: أن الذم إنما يمنع من الفعل إذا كان بحيث يتأذى عن سماع ذلك الذم وينفر عنه طبعه، ويظهر له بسببه نقصان حال، أما من كان متعالياً عن الشهوة والنفرة والزيادة والنقصان لا يعقل تحقق الوجوب في حقه بهذا المعنى.
الثالث: أنه تعالى تمدح بقبول التوبة في هذه الآية، ولو كان ذلك واجباً لما تمدح به، لأن أداء الواجب لا يفيد المدح والثناء والتعظيم.
المسألة الخامسة: {عَنْ} في قوله تعالى: {عَنْ عِبَادِهِ} فيه وجهان:
الأول: أنه لا فرق بين قوله: {عَنْ عِبَادِهِ} وبين قوله: من عباده يقال: أخذت هذا منك وأخذت هذا عنك.
والثاني: قال القاضي: لعل {عَنْ} أبلغ لأنه ينبئ عن القبول مع تسهيل سبيله إلى التوبة التي قبلت، وأقول: إنه لم يبين كيفية دلالة لفظة {عَنْ} على هذا المعنى، والذي أقوله إن كلمة {عَنْ} وكلمة من متقاربتان، إلا أن كلمة {عَنْ} تفيد البعد، فإذا قيل: جلس فلان عن يمين الأمير، أفاد أنه جلس في ذلك الجانب لكن مع ضرب من البعد فقوله: {عَنْ عِبَادِهِ} يفيد أن التائب يجب أن يعتقد في نفسه أنه صار مبعداً عن قبول الله تعالى له بسبب ذلك الذنب، ويحصل له انكسار العبد الذي طرده مولاه، وبعده عن حضرة نفسه، فلفظة {عَنْ} كالتنبيه على أنه لابد من حصول هذا المعنى للتائب.
المسألة السادسة: قوله: {وَيَأْخُذُ الصدقات} فيه سؤال: وهو أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الآخذ هو الله وقوله: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} يدل على أن الآخذ هو الرسول عليه الصلاة والسلام وقوله عليه السلام لمعاذ:
خذها من أغنيائهم يدل على أن آخذ تلك الصدقات هو معاذ وإذا دفعت الصدقة إلى الفقير فالحس يشهد أن آخذها هو الفقير فكيف الجمع بين هذه الألفاظ؟
والجواب من وجهين:
الأول: أنه تعالى لما بين في قوله: {خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً} أن الآخذ هو الرسول، ثم ذكر في هذه الآية أن الآخذ هو الله تعالى، كان المقصود منه أن أخذ الرسول قائم مقام أخذ الله تعالى، والمقصود منه التنبيه على تعظيم شأن الرسول من حيث إن أخذه للصدقة جار مجرى أن يأخذها الله، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: 10] وقوله: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله} [الأحزاب: 57] والمراد منه إيذاء النبي عليه السلام.
والجواب الثاني: أنه أضيف إلى الرسول عليه السلام بمعنى أنه يأمر بأخذها ويبلغ حكم الله في هذه الواقعة إلى الناس، وأضيف إلى الفقير بمعنى أنه هو الذي يباشر الأخذ، ونظيره أنه تعالى أضاف التوفي إلى نفسه بقوله تعالى: {وَهُوَ الذي يتوفاكم} [الأنعام: 60] وأضافه إلى ملك الموت، وهو قوله تعالى: {قُلْ يتوفاكم مَّلَكُ الموت} [السجدة: 11] وأضافه إلى الملائكة الذين هم أتباع ملك الموت، وهو قوله: {حتى إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] فأضيف إلى الله بالخلق وإلى ملك الموت للرياسة في ذلك النوع من العمل، وإلى أتباع ملك الموت، يعني أنهم هم الذين يباشرون الأعمال التي عندها يخلق الله الموت، فكذا هاهنا.
إذا عرفت هذا فنقول: قوله: {وَيَأْخُذُ الصدقات} تشريف عظيم لهذه الطاعة، والأخبار فيه كثيرة عن النبي عليه السلام أنه قال: «إن الله يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا طيباً وأنه يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها كما يربى أحدكم مهره أو فصيله حتى إن اللقمة تكون عند الله أعظم من أحد» وقال عليه السلام: «والذي نفس محمد بيده ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة فتصل إلى الذي يتصدق بها عليه حتى تقع في كف الله».
ولما روى الحسن هذين الخبرين قال: ويمين الله وكفه وقبضته لا توصف {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] واعلم أن لفظ اليمين والكف من التقديس.


{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن هذا الكلام جامع للترغيب والترهيب، وذلك لأن المعبود إذا كان لا يعلم أفعال العباد لم ينتفع العبد بفعله، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام لأبيه: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً} [مريم: 42] وقلت في بعض المجالس ليس المقصود من هذه الحجة التي ذكرها إبراهيم عليه السلام القدح في إلهية الصنم، لأن كل أحد يعلم بالضرورة أنه حجر وخشب وأنه معرض لتصرف المتصرفين، فمن شاء أحرقه، ومن شاء كسره، ومن كان كذلك كيف يتوهم العاقل كونه إلهاً؟ بل المقصود أن أكثر عبدة الأصنام كانوا في زمان إبراهيم عليه السلام أتباع الفلاسفة القائلين بأن إله العالم موجب بالذات، وليس بموجد بالمشيئة والاختيار، فقال: الموجب بالذات إذا لم يكن عالماً بالخيرات ولم يكن قادراً على الإنفاع والإضرار، ولا يسمع دعاء المحتاجين ولا يرى تضرع المساكين، فأي فائدة في عبادته؟ فكان المقصود من دليل إبراهيم عليه السلام الطعن في قول من يقول: إله العالم موجب بالذات.
أما إذا كان فاعلاً مختاراً وكان عالماً بالجزئيات فحينئذ يحصل للعباد الفوائد العظيمة، وذلك لأن العبد إذا أطاع علم المعبود طاعته وقدر على إيصال الثواب إليه في الدنيا والآخرة، وإن عصاه علم المعبود ذلك، وقدر على إيصال العقاب إليه في الدنيا والآخرة، فقوله: {وَقُلِ اعملوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} ترغيب عظيم للمطيعين، وترهيب عظيم للمذنبين، فكأنه تعالى قال: اجتهدوا في المستقبل، فإن لعملكم في الدنيا حكماً وفي الآخرة حكماً.
أما حكمه في الدنيا فهو أنه يراه الله ويراه الرسول ويراه المسلمون، فإن كان طاعة حصل منه الثناء العظيم والثواب العظيم في الدنيا والآخرة، وإن كان معصية حصل منه الذم العظيم في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة. فثبت أن هذه اللفظة الواحدة جامعة لجميع ما يحتاج المرء إليه في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده.
المسألة الثانية: دلت الآية على مسائل أصولية.
الحكم الأول:
إنها تدل على كونه تعالى رائياً للمرئيات، لأن الرؤية المعداة إلى مفعول واحد، هي الإبصار، والمعداة إلى مفعولين هي العلم، كما تقول رأيت زيداً فقيهاً، وهاهنا الرؤية معداة إلى مفعول واحد فتكون بمعنى الإبصار، وذلك يدل على كونه مبصراً للأشياء كما أن قول إبراهيم عليه السلام: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ} [مريم: 42] يدل على كونه تعالى مبصراً ورائياً للأشياء، ومما يقوي أن الرؤية لا يمكن حملها هاهنا على العلم أنه تعالى وصف نفسه بالعلم بعد هذه الآية فقال: {وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة} ولو كانت هذه الرؤية هي العلم لزم حصول التكرير الخالي عن الفائدة وهو باطل.
الحكم الثاني:
مذهب أصحابنا أن كل موجود فإنه يصح رؤيته، واحتجوا عليه بهذه الآية وقالوا: قد دللنا على أن الرؤية المذكورة في هذه الآية معداة إلى مفعول واحد، والقوانين اللغوية شاهدة بأن الرؤية المعداة إلى المفعول الواحد معناها الإبصار. فكانت هذه الرؤية معناها الإبصار. ثم إنه تعالى عدى هذه الرؤية إلى عملهم والعمل ينقسم إلى أعمال القلوب، كالإرادات والكراهات والأنظار. وإلى أعمال الجوارح، كالحركات والسكنات. فوجب كونه تعالى رائياً للكل وذلك يدل على أن هذه الأشياء كلها مرئية لله تعالى، وأما الجبائي فإنه كان يحتج بهذه الآية على كونه تعالى رائياً للحركات والسكنات والاجتماعات والافتراقات، فلما قيل له: إن صح هذا الاستدلال، فيلزمك كونه تعالى رائياً لأعمال القلوب، فأجاب عنه أنه تعالى عطف عليه قوله: {وَرَسُولُهُ والمؤمنون} وهم إنما يرون أفعال الجوارح، فلما تقيدت هذه الرؤية بأعمال الجوارح في حق المعطوف وجب تقييدها بهذا القيد في حق المعطوف عليه، وهذا بعيد لأن العطف لا يفيد إلا أصل التشريك.
فأما التسوية في كل الأمور فغير واجب، فدخول التخصيص في المعطوف، لا يوجب دخول التخصيص في المعطوف عليه، ويمكن الجواب عن أصل الاستدلال فيقال: رؤية الله تعالى حاصلة في الحال. والمعنى الذي يدل عليه لفظ الآية وهو قوله: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} أمر غير حاصل في الحال، لأن السين تختص بالاستقبال. فثبت أن المراد منه الجزاء على الأعمال. فقوله: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} أي فسيوصل لكم جزاء أعمالكم. ولمجيب أن يجيب عنه، بأن إيصال الجزاء إليهم مذكور بقوله: {فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فلو حملنا هذه الرؤية على إيصال الجزاء لزم التكرار، وأنه غير جائز.
المسألة الثالثة: في قوله: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون} سؤال: وهو أن عملهم لا يراه كل أحد، فما معنى هذا الكلام؟
والجواب: معناه وصول خبر ذلك العمل إلى الكل.
قال عليه السلام: «لو أن رجلاً عمل عملاً في صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائناً ما كان».
فإن قيل: فما الفائدة في ذكر الرسول والمؤمنين بعد ذكر الله في أنهم يرون أعمال هؤلاء التائبين؟
قلنا: فيه وجهان:
الوجه الأول: أن أجدر ما يدعو المرء إلى العمل الصالح ما يحصل له من المدح والتعظيم والعز الذي يلحقه عند ذلك، فإذا علم أنه إذا فعل ذلك الفعل عظمه الرسول والمؤمنون، عظم فرحه بذلك وقويت رغبته فيه، ومما ينبه على هذه الدقيقة أنه ذكر رؤية الله تعالى أولاً، ثم ذكر عقيبها رؤية الرسول عليه السلام والمؤمنين، فكأنه قيل: إن كنت من المحقين المحققين في عبودية الحق، فاعمل الأعمال الصالحة لله تعالى، وإن كنت من الضعفاء المشغولين بثناء الخلق فاعمل الأعمال الصالحة لتفوز بثناء الخلق، وهو الرسول والمؤمنون.
الوجه الثاني: في الجواب ما ذكره أبو مسلم: أن المؤمنين شهداء الله يوم القيامة كما قال: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] الآية، والرسول شهيد الأمة، كما قال: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً} [النساء: 41] فثبت أن الرسول والمؤمنين شهداء الله يوم القيامة، والشهادة لا تصح إلا بعد الرؤية، فذكر الله أن الرسول عليه السلام والمؤمنين يرون أعمالهم، والمقصود التنبيه على أنهم يشهدون يوم القيامة عند حضور الأولين والآخرين، بأنهم أهل الصدق والسداد والعفاف والرشاد.
ثم قال تعالى: {وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة} وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن عباس رضي الله عنهما: الغيب ما يسرونه، والشهادة ما يظهرونه.
وأقول لا يبعد أن يكون الغيب ما حصل في قلوبهم من الدواعي والصوارف، والشهادة الأعمال التي تظهر على جوارحهم، وأقول أيضاً مذهب حكماء الإسلام أن الموجودات الغائبة عن الحواس علل أو كالعلل للموجودات المحسوسات، وعندهم أن العلم بالعلة علة للعلم بالمعلول. فوجب كون العلم بالغيب سابقاً على العلم بالشهادة، فلهذا السبب أينما جاء هذا الكلام في القرآن كان الغيب مقدماً على الشهادة.
المسألة الثانية: إن حملنا قوله تعالى: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} على الرؤية، فحينئذ يظهر أن معناه مغاير لمعنى قوله: {وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة} وإن حملنا تلك الرؤية على العلم أو على إيصال الثواب جعلنا قوله: {وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة} جارياً مجرى التفسير لقوله: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} معناه: بإظهار المدح والثناء والإعزاز في الدنيا، أو بإظهار أضدادها. وقوله: {وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة} معناه: ما ينظره في القيامة من حال الثواب والعقاب.
ثم قال: {فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} والمعنى يعرفكم أحوال أعمالكم ثم يجازيكم عليها، لأن المجازاة من الله تعالى لا تحصل في الآخرة إلا بعد التعريف. ليعرف كل أحد أن الذي وصل إليه عدل لا ظلم، فإن كان من أهل الثواب كان فرحه وسعادته أكثر، وإن كان من أهل العقاب كان غمه وخسرانه أكثر.
وقال حكماء الإسلام، المراد من قوله تعالى: {فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} الإشارة إلى الثواب الروحاني، وذلك لأن العبد إذا تحمل أنواعاً من المشاق في الأمور التي أمره بها مولاه، فإذا علم العبد أن مولاه يرى كونه متحملاً لتلك المشاق، عظم فرحه وقوي ابتهاجه بها، وكان ذلك عنده ألذ من الخلع النفيسة والأموال العظيمة.
وأما قوله: {وَسَتُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة} فالمراد منه تعريف عقاب الخزي والفضيحة. ومثاله أن العبد الذي خصه السلطان بالوجوه الكثيرة من الإحسان إذا أتى بأنواع كثيرة من المعاصي، فإذا حضر ذلك العبد عند ذلك السلطان وعدد عليه أنواع قبائحه وفضائحه، قوي حزنه وعظم غمه وكملت فضيحته، وهذا نوع من العذاب الروحاني، وربما رضي العاقل بأشد أنواع العذاب الجسماني حذراً منه. والمقصود من هذه الآية تعريف هذا النوع من العقاب الروحاني نسأل الله العصمة منه ومن سائر العذاب.

21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28